ملخص الفتوى:
الحكم بغير ما أنزل الله
كفر مخرج عن الملة.
الشيخ الفوزان: عقيدة التوحيد 116.
تعليق:
وضع قوانين تحليل الحرام كالربا والخمر حرام دون شك، لكن
لا يحكم بالكفر على واضعها والحاكم بها بناء على قوله
تعالى:﴿وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ﴾
(المائدة 44)
إلا إذا كان هناك إعتقاد بأن حكم اللَّه غير صحيح، وأن
القانون الوضعى
هو الصحيح.
والطاعة لهذه القوانين غير جائزة، ولابد من تغيير هذا
المنكر، لكن بالطرق المشروعة التى لا تؤدى إلى فتنة
فى المجتمعات الإسلامية، والقول بأن ترك الحكم كفر مطلقاً
يفتح باب الفتنة على مصراعيه فى هذه المجتمعات.
التعقيب:
الحكم بغير ما أنزل اللّه ليس قاصراً على الحكام والقضاة،
وإنما هو شامل لكل إنسان يعطى حكماً لأى شيء غير حكم
اللّه، سواء فى فتوى أو قضاء أو غير ذلك، كالذى يشرب الخمر
ويقول إنها حلال، ويتعامل بالربا ويقول إنه حلال وهكذا.
وإنكار حكم الله أو الإستهزاء به كفر، وعدم الإنكار وعدم
الإستهزاء مع تجاوز الحد فى التطبيق أو التقصير ليس كفراً
وإنما يكون ظلماً ويكون فسقاً. وعليه فإنه لا يصح أن يتعجل
بالحكم بالكفر على من لم يحكم بشريعة اللّه فرداً أو جماعة
أو دولة إلا بعد التأكد من أن ترك حكم الله كان عن إنكار
له أو إستهزاء به، وذلك أمر باطنى لا يصرح به غالباً، فإن
صرح به دون تأويل جاز الحكم بالكفر، وإن لم يعلم ذلك على
وجه اليقين فالواجب هو عدم الحكم بالكفر، والحديث يقول:
«إِذَا
قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَا كَافِرُ
فَقَدْ بَاءَ
بِهِ أَحَدُهُمَا
إِنْ
كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَى الْآخَرِ»
رواه مسلم بعبارات متقاربة. وقد ذكر الفخر الرازى المتوفى
سنة 606 قول عكرمة أن الحكم بالكفر يكون عند الجحد
والإنكار، أما المؤمن بحكم الله لكنه خالفه فهو عاص، وقال:
إن الكفر يكون بالتقصير فى حق الله، أما الظلم فهو تقصير
فى حق النفس. وذكر البيضاوي المتوفى سنة685 هـ فى تفسير
قوله تعالى:
:﴿وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ﴾،
.. {الظالمون}، ... {الفاسقون}، ما نصه: "فكفرهم لإنكاره،
وظلمهم بالحكم على خلافه، وفسقهم بالخروج عنه". وقال
الزمخشري المتوفى سنة 528 هـ: من جحد حكم الله كفر، ومن لم
يحكم به وهو مقر- يعنى به - فهو ظالم فاسق. وقال الآلوسي
المتوفى سنة 1270 هـ: ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاثة
بإعتبارات مختلفة، فلإنكارهم ذلك وُصِفُوا بالكافرين،
ولوضعهم الحكم فى غير موضعه وُصِفوا بالظالمين، ولخروجهم
عن الحق وصفوا بالفاسقين.
يقول
العلامة/ أ.د. عبد الله بن بيه:
أما التكفير فهو أمر لا يقطع به إلا إذا كان مع حكم هذه
القوانين تصريح بإزدراء الشريعة وتنقيصها والحط
من قدرها، بحيث يقول الذى يسن هذه القوانين: إن الشريعة
غير صالحة، ونحو ذلك من
الكلام، أما أن يكون مع سن هذه القوانين إعتقاد بأن
الشريعة هى الحق، وأن ما سواها
ليس على حق، فمجرد سن القوانين وحده ربما لعجز،
أو لجهل، أو لتقليد، فلا يكون كفراً،
ولهذا قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فى قوله ـ تعالى:
:﴿وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ﴾
(المائدة 44)، قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، فى قوله
تعالى: ﴿وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ﴾
(المائدة من الآية47)، معناه أنه غير مخرج من الملة، وهذا
هو الذى
نراه بناء على نُقول كثيرة، ومنها نُقول عن شيخ الإسلام
تقي الدين ابن تيمية ـ رحمه
الله، والأظهر فيه أن الكفر هنا لا يكون مخرجاً من الملة..
خلافاً لبعض المفتين والمشايخ فى القرن الماضى الذين
أفتوا بأن مجرد الفعل يكون كفراً، وقد حققنا ذلك فى بحث
مستقل وعنوانه: (التكفير
بالحكم بغير ما أنزل الله)، فليراجع فى مجلة البحوث
الفقهية المعاصرة، زيادة على ما
يترتب على التكفير من إرتكاب الحروب والفتن التى لا تبقى
ولا تذر، فالأولى من ذلك
هو توعية الناس وتنبيههم على أهمية الشريعة، وعلى المصالح
الكبيرة التى توفرها
الشريعة المحمدية؛ لأن كثيراً من البلاد الإسلامية كانت
مستعمرة وورثت قوانين
المستعمر، وبالتالى إستمرت على ذلك دون وعى ودون إدراك،
ودون ـ أيضاً ـ شجاعة لتغيير
هذه القوانين.
إذاً نحن لا نكفر بذلك إذا لم يصحبه ما ذكرناه من
الإستخفاف
والإحتقار للشريعة لفظاً، أو من الإعتقاد المنحرف، وصلى
الله على نبينا محمد[1].
د/ ياسر عبد العظيم