السؤال :
سئل عن حكم بقاء المرأة مع زوج لا يصلى أو الرجل مع زوجة لا تصلى.
ملخص
الفتوى:
أجاب
بعدم جواز بقاء المرأة مع زوج لا يصلى؛
لأن تارك الصلاة كافر
خارج عن ملة الإسلام، ونكاحه مفسوخ، ولا يورث، ولا يغسل إذا
مات، ولا يصلى عليه، ولا يدفن فى مقابر المسلمين، وإنما يخرج
به إلى الصحراء ويدفن بثيابه لأنه لا حرمة له!
الشيخ ابن
عثيمين
ـ رسالة صفة صلاة النبي ص 29-30
الشيخ محمد حسان: خطبة رقم (5)
موقعه
على
الإنترنت
تعليق:
هذه الفتوى
أخرجت حوالى ربع أو ثلث المسلمين فى العالم تقريباً من الإسلام
بجرة قلم، يعنى حوالى خمسمائة مليون مسلم صاروا مرتدين يجب
قتلهم، وعدم الصلاة عليهم إذا ماتوا، وعدم دفنهم فى مقابر
المسلمين، وعدم توريثهم أو الميراث منهم، والتفريق بين الأزواج
منهم والزوجات؛ لأنهم لا يصلون. ولم يحدث فى أى زمان أو مكان
فى تاريخ الإسلام أن فعل هذا بمن لا يصلون فى بلدان المسلمين؛
بل يعيشون مع زوجاتهم، ويرثون ويورثون، ويدفنون فى مقابر
المسلمين؛ لأنهم مسلمون.
ولا ندرى ما
الهدف من التمسك بهذه الآراء الهزيلة، والحرص على خروج
المسلمين من دين الله أفواجاً، ومخالفة الأئمة، وجمهور علماء
الأمة بهذه الفتاوى الشاذة.
التعقيب:
الصلاة ركن من
أركان الإسلام، ومنزلتها من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد،
والنصوص كثيرة فى وجوب المحافظة عليها، وفى التحذير من تركها
أو التهاون فيها، ومن أخطر ما ورد
فى
تركها حديث رواه مسلم «بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ
تَرْكُ الصَّلَاةِ». يقول النووى فى شرح هذا الحديث ما
ملخصه: تارك الصلاة إن كان منكراً لوجوبها فهو كافر بإجماع
المسلمين خارج من ملة الإِسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام
ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه. وإن كان
تركه تكاسلاً مع إعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد
ذهب
جماهير
السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، وذهب
الإمام
أحمد بن حنبل
فى
إحدى
الروايتين إلى أنه يكفر،
وأستدل بظاهر
الحديث
السابق.
ومن قال لا
يكفر أحتج بقوله تعالى: ﴿إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
وبحديث «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وحديث «فَإِنَّ
اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ
مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ
وَجْهَ اللَّهِ».
وأجاب هؤلاء
الذين لا يكفرون تارك الصلاة عن الحديث «بَيْنَ
الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» بأن
المعنى أنه يستحق عقوبة الكفر،
وهى القتل إن أستتيب وأصر،
أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر،
أو أن فعله فعل الكفار.
وذكر السبكى فى
طبقات الشافعية أن الشافعى وأحمد تناظرا فى تارك الصلاة فقال
الشافعى:
يا
أحمد أتقول أنه يكفر؟
قال نعم، قال إذا كان كافرا فبم يسلم؟ قال: يقول لا إله إلا
اللَّه محمد رسول اللَّه، قال الشافعى: فالرجل مستديم لهذا
القول لم يتركه، قال: يسلم بأن يصلى قال: صلاة الكافر لا تصح،
ولا يحكم له بالإِسلام بها، فسكت أحمد[1].
وقد رجح ابن
قدامة فى المغني أنه ليس بكافر على مذهب الإمام أحمد، وبالتالى
لا يكون كافراً عند أحد من الأئمة الأربعة وجماهير أهل العلم،
وبذلك تكون العلاقة بينه وبين زوجته صحيحة لا شائبة فيها.
وقد ذكر ابن
قدامة أن التاريخ لم يسجل لقضاة المسلمين أنهم فرقوا بين الرجل
وزوجته بسبب ترك الصلاة بالرغم من كثرة تاركيها على مر الزمان.
قال ابن قدامة:
فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا
مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ, وَالصَّلَاةُ
عَلَيْهِ, وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ, وَلَا
مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ, وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ
مُوَرِّثِهِ, وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ
الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا; مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي
الصَّلَاةِ, وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ
الْأَحْكَامُ كُلُّهَا[2].
يقول
فضيلة الشيخ الدكتور
سعود بن عبدالله الفنيسان:
لم ينقل فى
التاريخ الإسلامي كله إلى يومنا هذا أن أحداً قتل مرتدًّا
لتركه
الصلاة علاوة على ما يترتب على هذا القول ـ مع كثرة من يترك
الصلاة ـ
من
طلاق زوجته،
وأن
أولاده أولاد غير شرعيين... إلخ.
والذى يظهر لى
ـ والله أعلم ـ القول بعدم تكفير
تارك الصلاة كسلاً أو تهاوناً[3].
وعلى هذا
فالزوج الذى لا يصلى لا يعتبر كافراً طالما أنه يؤمن بوجوبها،
وعلى الزوجة أن تنصحه بإستمرار، وأن تدعوه إلى الصلاة دون يأس،
وأن تخوفه من عاقبة تركها، وأن تحيطه بالصحبة الصالحة التى
تأخذ بيده إلى طريق الحق، فللصحبة مفعول السحر فى مثل هذه
الحالات.
والزوجة التى
لا تصلى لها نفس الحكم، وتتوجه لزوجها نفس النصائح ليحملها على
الصلاة والإستقامة، ولا يتعجل فى طلاقها، وليذكر قول الله
تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَك بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
(سورة
طه
132)، وليستعن
كلاهما
بدعوات السحر،
والقيام فى السحر، وليعلم أن الله لو أكرمه بهداية تارك الصلاة
فهو خير له فى دينه، وأحسن له من الدنيا وما فيها، والله تعالى
أعلم.
د/ محمد فؤاد
[1]
فتاوى دار الإفتاء المصرية: الموضوع (35) المفتى:
فضيلة الشيخ عطية صقر.مايو 1997،
منقول بتصرف من موقع وزارة الأوقاف المصرية على
الإنترنت.
[2]
المغني
لابن قدامة 2/158، وقَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {صَلَّوْا
عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ }.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّا
لَا نَعْلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا
مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ,
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر
الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ،
وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ، وَلَا
فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ
أَحَدِهِمَا ; مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ,
وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ
كُلُّهَا، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ
عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ
يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى
سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ
بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ
عليه السلام: {سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ،
وَقِتَالُهُ كُفْرٌ}. وَقَوْلِهِ: {كُفْرٌ بِاَللَّهِ
تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ}. وَقَوْلُهُ:
{مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ
بِهَا أَحَدُهُمَا}. وَقَوْلُهُ: {مَنْ أَتَى حَائِضًا
أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ}. قَالَ: {وَمَنْ قَالَ:
مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْكَوَاكِبِ. فَهُوَ كَافِرٌ
بِاَللَّهِ, مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ}. وَقَوْلُهُ:
{مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ}.
وَقَوْلِهِ: {شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ}.
وَأَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ التَّشْدِيدُ
فِي الْوَعِيدِ، وَهُوَ أَصْوَبُ الْقَوْلَيْنِ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.