السؤال :
ما حكم الذبح لغير الله، كالذبح للأولياء بالنسبة لمن يزورونهم ويذبحون بنية النذر للولى ويفرقون لحوم هذه النذور على جيران المقابر أو القبة؟
ملخص الفتوى:
من ذبح لغير الله أو لولى أو فى مولد تعظيماً للولى فهو مشرك
شركاً أكبر.
اللجنة الدائمة
للبحوث العلمية والإفتاء 1/134
تعليق:
هذه الفتوى من فتاوى التكفير وإساءة الظن بجماهير المسلمين،
فما يذبحه أو ينذره عوام الناس للأولياء، يقصدون به غالباً:
الذبح لله، وإهداء الثواب للأولياء، واللحم للفقراء، وهذا
المعنى المشروع يكون فى ذهنهم، ولكن قد لا يستطيعون التعبير
عنه بألسنتهم لقصورهم، فلا ينبغي للمفتى أن يحمل الأفعال أكثر
مما تحتمل؛ توصلاً لتكفير المسلمين بغير حق.
التعقيب:
لا
يجوز لأحد أن يعظم غير الله؛ بأن يهل له بالذبح، سواء أكان
برفع الصوت أم لا، وقد كان المشركون يرفعون أصواتهم عند الذبح
بأسماء الآلهة متقربين إليها بذبائحهم. وهذا متفق عليه لتصريح
القرآن الكريم بذلك فى قوله تعالى: ﴿وَمَا
أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ﴾.
وأما ما يذبحه عوام الناس للأولياء فى بلدان المسلمين
المختلفة، والنذور التى يقدمونها لأضرحتهم؛ فإنما يقصد بها
غالباً: التصدق عن هؤلاء الأولياء لنفعهم بالثواب، وتفريق
المذبوح على خدام قبره وأقاربه وفقرائه، فإن قصد الناذر شيئاً
من ذلك أو أطلق صح، وإن قصد التقرب لذات الميت كما يفعله كثير
من الجهلة لم يصح[1].
وذبح الماشية بقصد توزيع لحمها على الفقراء صدقة على روح الميت
لا مانع منه، لأنه قد جاء فى الحديث جواباً عن سؤال من سأل عن
بر الأبوين بعد موتهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل:
"الصدقة عليهما والدعاء لهما".
(وسئل) ابن حجر الهيتمي عن حكم النذر لقبور الأولياء (فأجاب
بقوله): النذر للولى إنما يقصد به غالباً التصدق عنه لخدام
قبره وأقاربه وفقرائه فإن قصد الناذر شيئاً من ذلك أو أطلق صح
وإن قصد التقرب لذات الميت كما يفعله أكثر الجهلة لم يصح[2].
على أننا لو إفترضنا أنهم يذبحون للميت ويتقربون إليه، فلا
ينبغى المسارعة فى الحكم بتكفيرهم وخروجهم من الإسلام لأنهم
غالباً ما يجهلون أن هذا حرام أو أنه من الشرك.
يقول الشيخ ابن عثيمين:
وأما العذر بالجهل: فهذا مقتضى عموم النصوص، ولا يستطيع أحد أن
يأتى بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل، قال الله
تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾
[3]،
وقال تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾
[4]،
ولولا العذر بالجهل: لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يلزمون
بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى
أدلة الكتاب والسنة، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم..
ونحن فى الحقيقة ـ يا إخوانى ـ لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا، إنما
نحكم بما تقتضيه الشريعة، والرب عز وجل يقول: (إن رحمتي سبقت
غضبي) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا
حرام ؟[5].
د/
محمد فؤاد
[1]
في حاشية الدسوقي2/102:
يقصد المسلم الذبح لولي لله أي لنفعه بالثواب.
[2]
الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي 4/284. وقال
أيضا:
النذر أو الوقف لمشاهد الأولياء والعلماء صحيح إن نوى
الناذر أو الواقف أهل ذلك المحل أو صرفه في عمارته أو
مصالحه أو غير ذلك من وجوه القرب، وكذا إن لم يقصد
شيئا، ويصرف في هذه الحالة لما ذكر من مصالح ذلك
المحل، بخلاف ما لو قصد بذلك التقرب إلى من دفن هناك
أو ينسب إليه ذلك المحل، فإن النذر حينئذ لا ينعقد.
الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي 4/289، ومثله
في تحفة المحتاج 6/316.
[5]
الشيخ ابن عثيمين:
" لقاءات الباب المفتوح " ( 33 / السؤال رقم 12 ).